لقاء خاصّ مع د. عزمي بشارة عبر "التلفزيون العربيّ"

أجرى "التلفزيون العربيّ"، لقاء خاصًّا مع المفكر العربي، د. عزمي بشارة، المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"؛ للبحث في عدد من الملفات والقضايا، على رأسها انعكاسات الحرب في أوكرانيا على شكل النظام العالميّ، وطبيعة التحالفات فيه.

لقاء خاصّ مع د. عزمي بشارة عبر

المفكر العربي، د. عزمي بشارة خلال اللقاء

قال مدير "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، المفكر العربي د. عزمي بشارة، إن أقصى ما يمكن توقعه قريبا في ما يتعلق بحرب أوكرانيا، هو مفاوضات بشأن وقف إطلاق نار، أو هدنة. وفي ما يخصّ مفاوضات الاتفاق النووي مع إيران، ذكر بشارة أن الإدارة الأميركية معنية حقا بالتوصل إلى اتفاق، لكن من دون تقديم تنازلات تتعلق بالعقوبات المفروضة على الحرس الثوري الإيرانيّ، وقدّر أن التصعيد الإسرائيلي ضد إيران مؤخرًا "حصل بضوء أخضر أميركي وربما بأكثر من ضوء أخضر". وأوضح أن القيادة الإيرانية براغماتية جدا، وأنها معنية بالتوصل إلى اتفاق. كما رجح بشارة أن واشنطن لا تدفع حقا باتجاه التحالف بين إسرائيل وبعض العرب، على اعتبار أن هذه العلاقات العربية مع إسرائيل من تطبيع وتحالف قائمة بالفعل ولا تحتاج إلى دفع أميركي، وأن ما هو مطروح حاليا يتعلق بالعلاقات بين واشنطن وكل من العواصم العربية المعنية بالزيارة، خصوصا الرياض، ومسألة زيادة إنتاج النفط.

ولفت بشارة خلال مقابلة في برنامج "حديث خاص" مع "التلفزيون العربي"، إلى أن ما يظهر من أهداف زيارة الرئيس الأميركي المرتقبة إلى المنطقة بعد أيام، يتعلق حتى الآن، بعلاقات واشنطن مع الأنظمة العربية المعنية بالزيارة، من دون أن يكون واضحا أن الإدارة الأميركية تضغط بالفعل باتجاه تشكيل تحالف إسرائيليّ ــ عربيّ.

وذكر بشارة أن من العوامل الرئيسية التي جعلت الديمقراطيين الأميركيين حاسمين ضد روسيا، هو التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية وفي أوروبا عموما في دعم اليمين الشعبوي هناك. وفي السياق، عدّ بشارة أن حرب أوكرانيا كانت فرصة لأميركا لكي تعزز قيادة المعسكر الغربي واستعادة مكانة حلف شمال الأطلسي، بعدما تعرض له من نكسات أيام الرئيس السابق، دونالد ترامب.

ولفت إلى أن المعسكر الغربي نجح في هذه المسألة، وبدأت عملية إعادة نظر في كل بنية "الناتو" ودور الأعضاء فيه. وردا على سؤال عما إذا كانت المواجهة الأميركية ــ الأوروبية مع روسيا هي تعويض عن معركة أكبر مؤجلة مع الصين، استبعد بشارة ذلك، ورجح أن "التركيز كان ينصب على تحجيم (الرئيس الروسي، فلاديمير) بوتين"، لكنه توقف عند التقارب الحاصل بين بكين وموسكو بفعل الحرب، "وهو ما كان الغرب لا يرغب بحصوله".

وخلص بشارة إلى أنه من الصعب تحجيم الصين اليوم، فضلا عن أنها هي أيضا تتفق مع روسيا لجهة وضع حد للتفوق الأميركي. وبالنسبة للتمايز بين الأوروبيين والأميركيين حيال مصير الحرب، أوضح بشارة أن الرئيس جو بايدن، وجدها فرصة مناسبة للانتصار على بوتين، بينما الأوروبيون يريدون التوصل إلى اتفاق.

وأوضح بشارة أنه صحيح أن بوتين لم يُهزم بعد، إلا أنه يدفع الثمن غاليا، فحجم العقوبات غير مسبوق، وهناك التزام حقيقي غربي لمصلحة أوكرانيا، والرئيس الروسي قلّص أهدافه بالسيطرة على منطقة الدونباس، وربما مرافئ البحر الأسود.

ووصف بشارة تقليص الأهداف الروسية باتجاه منطقة الدونباس والمرافئ الجنوبية، بأنه "تقليص بهدف رجعي"، لأن الهدف الأساسي للحرب كان السيطرة على كييف. لكن بشارة استدرك بأن الغرب لن يعترف بهذه المعطيات الجديدة التي فرضها بوتين، "لذا لا يُتوقع التوصل إلى حل قريب يعترف بموجبه الغرب بهذه الإنجازات الروسية"، فضلا عن أن "عودة بوتين عن هذه الإنجازات قد تكلفه منصبه".

وتوقع بشارة أن "أقصى ما يمكن التفكير فيه حاليا، مفاوضات لوقف إطلاق النار أو لهدنة". وفي قراءته لجانب من خلفيات الحرب، رأى بشارة أن "بوتين أساء التقدير، وبدأ يشعر بأن الديمقراطية الليبرالية ضعيفة ورخوة، وكان الرد الأميركي والأوروبي على ما فعله في جورجيا وفي سورية ضعيفا، وقد حقق اختراقات بالفعل في أوروبا وفي أميركا، لكن الاتحاد في الغرب ضده حصل بشكل حقيقي".

وفي ما يخصّ المنطقة العربية وحرب أوكرانيا، لاحظ بشارة عدم وجود لكيان عربي فاعل اليوم في ما يتعلق بالحرب وبنتائجها على المنطقة، "وكل ما يجري عربيا هو تبعا لمصالح النظام القائم في هذا البلد أو ذاك" على حد وصفه. وعاد بشارة بالذاكرة إلى زمن حرب 1973 حين كان هناك دور عربي فاعل تمثل باستخدام سلاح النفط آنذاك. ولاحظ بشارة أن اليوم سنحت فرصة، وارتفعت أسعار النفط، والغرب يريد من الخليج زيادة إنتاج النفط، وهذه فرصة لا تفوَت لفرض شروط، لكن هذا لا يحصل ويتم تفويت الفرصة مجانا.

الزيارة المرتقبة لبايدن

وأعرب بشارة في معرض رده على سؤال حول زيارة بايدن المقررة إلى المنطقة في 13 من الشهر الجاري، عن اعتقاده بأن ما هو مطروح، يتعلق بالعلاقات بين واشنطن وكل من العواصم العربية المعنية بالزيارة، خصوصا الرياض، ومسألة زيادة إنتاج النفط.

أما عن تلميح بايدن بأن أهداف زيارته تتعلق بالتطبيع العربي مع إسرائيل، فقد اعتبر بشارة أن هذا الكلام يترجم رغبة بايدن بعدم إحراج نفسه لناحية عهده الذي سبق أن قطعه لجهة العلاقات مع القيادة السعودية، لكنه رجّح بأن أميركا لا تدفع حقا باتجاه التحالف بين إسرائيل وبعض العرب، على اعتبار أن هذه العلاقات العربية مع إسرائيل من تطبيع وتحالف قائمة بالفعل ولا تحتاج إلى دفع أميركي.

ورغم اعتبار بشارة أن خروج أميركا نسبيا من قضايا المنطقة في عهد الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، أدخل قوى أخرى إلى المنطقة مثل تركيا وإيران وروسيا والصين، وصحيح أن الدول الحليفة لأميركا بدأت تتململ وتنظرا شرقا لإيجاد بدائل عن أميركا حتى في مصادر التسلح، وبدأ الحديث عن احتمال وجود حلفاء آخرين غير أميركا، "لكن ثبت في فترة قصيرة أن لا الصين ولا روسيا تقدمان بدائل عسكرية عن أميركا، لذلك في الجوهر لم تغادر أميركا المنطقة" على حد تعبير بشارة.

التصعيد الإسرائيلي إزاء إيران "حصل بضوء أخضر أميركيّ"

وعن الصراع الإسرائيلي - الإيراني الذي يتحول مع الوقت إلى مباشر، رجح بشارة أن يكون التصعيد الإسرائيلي في الشهرين الماضيين "حصل بضوء أخضر أميركي وربما بأكثر من ضوء أخضر". وربط بشارة بين هذا التصعيد وبين توقف مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي.

وعلّق بشارة عن حجم العمليات الإسرائيلية ضد إيران بالقول، إنّ النظام الإيراني يجب أن يسأل نفسه لماذا تتمكن إسرائيل من اختراق المجتمع الإيراني، ولماذا لا تستطيع إيران اختراق المجتمع الإسرائيلي؟

وردا على سؤال حول تقديراته لمصير مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، جدد بشارة التذكير برأيه الذي يفيد بأن القيادة الإيرانية براغماتية جدا، وأنها معنية بالتوصل إلى اتفاق، "لكن الإصرار الأميركي على عدم مناقشة أي شيء يتعلق بالعقوبات التي فُرضت بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، يجعل من رفع العقوبات عن إيران من دون جدوى بالنسبة لطهران".

وخلص بشارة إلى أن المسؤولين الإيرانيين "يجب أن يشعروا أنهم سيستفيدون من رفع العقوبات، ويجب أن يفهموا أن بإمكانهم الاستفادة من رفع العقوبات في الفترة الفاصلة بين الرفع وبين وصول إدارة أميركية جديدة إلى الحكم في واشنطن".

ووفق ملاحظة بشارة، كان المفاوضون الإيرانيون في الدوحة الأسبوع الماضي يريدون تنازل ما من الأميركيين، خاصة بالعقوبات على الحرس الثوري، وهو ما لم يقدمه الأميركيون. من هنا، أعرب عن ثقته بأن إدارة بايدن "لا تزال معنية بالتوصل إلى اتفاق مع إيران لكن من دون تقديم تنازلات".

ونبّه بشارة من أن الفرصة تضيق "لأننا لا نعرف ماذا سيحصل في الانتخابات الأميركية الرئاسية المقبلة وفي انتخابات التجديد النصفي للكونغرس (في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل)، لذلك تصبح المفاوضات أصعب في ظل هذه الظروف".

وردا على سؤال حول ما يُقال عن احتمال إنشاء تحالف عسكري إسرائيلي - عربي ضد إيران، أشار بشارة إلى أن التفاهم مع إيران مفيد ويخدم مصلحة العرب، لأنه منذ الثورة الإيرانية حتى الآن، التوتير الطائفي في المنطقة تحول إلى سبب رئيسي لعدم التطور في منطقتنا العربية، لافتا إلى أن على الإيرانيين أن يلتزموا أيضا بعدم تحويل الطوائف في البلدان العربية إلى ملف تبعية سياسية لمصلحتهم. وعن هذا الموضوع، وصف بشارة التقارب الحاصل بين مجموعة من البلدان في المنطقة بأنه "أمر إيجابي"، مثل التقارب القطري - المصري والتركي - المصري والسعودي - الإيراني.

وبرأي بشارة، إن أخطر ما يمكن أن يحصل اليوم هو أن تختار دول عربية التحالف مع إسرائيل، لأن من شأن ذلك أن يشكل ضربة قاضية لآمال الديمقراطية في البلدان العربية، وتساءل في هذا السياق عن ما الذي استفاد منه الفلسطينيون منذ بدأت موجة التطبيع، وعدّد في هذا السياق زيادة قوة اليمين الإسرائيليّ، وارتفاع وتيرة الاستيطان والتهويد.

تونس: دستور بائس لتمويه الديكتاتورية

وفي ما يتعلق بالتطورات التونسية، علّق بشارة على مشروع الدستور الذي طرحه الرئيس، قيس سعيد، على الاستفتاء المقرر في 25 من الشهر الجاري، واصفا إياه بأنه "ليس دستور نظام رئاسي، بل تمويه بائس للديكتاتورية مكتوب بلغة ركيكة وهي نفس لغة خطابات" قيس سعيد.

ووصف بشارة كلام "المنسق العام للجنة الاستشارية من أجل جمهورية جديدة" في تونس، الصادق بلعيد، والذي كشف فيه أن مشروع الدستور الذي قدمه إلى الرئيس قيس سعيد مختلف تماما عن النسخة التي نشرت قبل أيام، بأنه "يعبر عن صحوة متأخرة"، كحال الأحزاب التي أيدت انقلاب الرئيس على البرلمان وعلى النظام السياسي وعلى الديمقراطية التونسية ثم أعربت عن ندمها، لأن نوايا الرئيس "كان يفترض أن تكون واضحة منذ البداية".

وتساءل بشارة: "لماذا سمح هؤلاء بأن يكونوا أدوات بيد مهزلة الرئيس"؟ واستعرض بشارة بعض البنود من دستور سعيّد، ليشير إلى تناقضات وديكتاتورية وشعبوية تعتريها، ذلك أنها تعبر عن كاتبها أي سعيّد نفسه، الذي "لا يؤمن بالديمقراطية ولا بالبرلمان، وهذا تعريف للديكتاتورية وللشعبوية".

وتوقف بشارة عند بعض الفصول التي تستخدم حجة "الخطر الداهم" الذي يحدد الرئيس وحده مفهومه، وهي العبارة نفسها التي استخدمها سعيّد لتنفيذ كل انقلاباته، ويطوّعها اليوم في دستوره "لتمديد بقائه في السلطة ولتأجيل انتخاب البرلمان ولفعل ما يشاء".

وتكمن المشكلة الرئيسية برأي بشارة، في أن هذا الدستور "لم يناقَش في أي مكان علني، لا في هيئة ولا جمعية تأسيسية، ولا برلمان، فكيف يطرح شيء من هذا النوع على الاستفتاء من دون وجود أي وسيلة لوضع ملاحظات عليه".

التعليقات